# كيفية وضع سياسات الامتثال لمكافحة الرشوة للشركات الأجنبية في الصين

مرحباً بكم، أنا الأستاذ ليو، أعمل في شركة جياشي للضرائب والمحاسبة منذ أكثر من 12 عاماً في مجال خدمة الشركات الأجنبية، وقبل ذلك قضيت 14 عاماً في مجال التسجيل والمعاملات التجارية. خلال هذه السنوات، شهدت عشرات الشركات الأجنبية التي تدخل السوق الصينية، بعضها يزدهر وبعضها يواجه صعوبات كبيرة بسبب مشاكل الامتثال. اليوم، أريد أن أشارككم بعض الأفكار العملية حول كيفية وضع سياسات فعالة لمكافحة الرشوة في الصين. هذا الموضوع ليس مجرد وثيقة شكلية، بل هو درع واقٍ يحمي الشركة من مخاطر قانونية وجزائية قد تهدد وجودها.

في الصين، بيئة الامتثال القانوني تتطور بسرعة، خاصة في مجال مكافحة الفساد. قوانين مثل "قانون مكافحة الرشوة غير المشروعة" و"قانون مكافحة غسيل الأموال" تشكل إطاراً صارماً. لكن التحدي الحقيقي ليس في فهم النصوص القانونية فقط، بل في كيفية تطبيقها عملياً في بيئة الأعمال الصينية المعقدة. كثير من المديرين الأجانب يأتون بخبرات من بلدانهم، لكن الصين لها خصوصياتها الثقافية والتجارية التي يجب فهمها بعمق.

أتذكر إحدى الشركات الأوروبية المتوسطة الحجم التي استشارتنا قبل ثلاث سنوات. كانوا يعتقدون أن سياسة الامتثال العالمية لديهم كافية، لكن خلال سنتين فقط، وقعوا في ثلاث حوادث امتثال خطيرة، إحداها كانت تتعلق بدفع "مصاريف تسهيل" لمسؤول محلي لتسريع إجراءات ترخيص. الخسائر المالية والإدارية كانت كبيرة جداً. لو كانوا قد استثمروا وقتاً وموارد في بناء سياسة مخصصة للصين منذ البداية، لكانوا تجنبوا كل هذه المشاكل.

فهم البيئة القانونية

أول وأهم خطوة في وضع سياسة لمكافحة الرشوة هي الفهم العميق للبيئة القانونية الصينية. كثير من الشركات الأجنبية ترتكب خطأ الاعتماد فقط على سياساتها العالمية أو على فهم سطحي للقوانين الصينية. في الواقع، النظام القانوني الصيني في مجال مكافحة الفساد يعتبر من أكثر الأنظمة صرامة في العالم، ويتطور باستمرار. خلال السنوات الخمس الماضية، صدرت أكثر من 20 لائحة وتفسيراً قضائياً متعلقاً بمكافحة الرشوة.

من وجهة نظري، يجب أن تبدأ الشركة بتحليل شامل للمتطلبات القانونية ذات الصلة. هذا لا يعني فقط قراءة النصوص القانونية، بل فهم كيفية تطبيقها عملياً من خلال الأحكام القضائية والتوجيهات الإدارية. مثلاً، مفهوم "الرشوة" في القانون الصيني واسع جداً، وقد يشمل حتى الهدايا ذات القيمة المتواضعة إذا كانت تهدف إلى التأثير على قرارات الموظف العام. هناك حالة شهيرة لشركة أجنبية في قطاع الأدوية دفع غرامة قدرها 300 مليون يوان لأن بعض موظفيها قدموا هدايا تذكارية لأطباء بقيمة لا تتجاوز 500 يوان لكل هدية، لكن العدد الكبير للهدايا جعلها تعتبر رشوة منظمة.

في عملي، دائماً أنصح العملاء بإجراء "تقييم مخاطر الامتثال" كخطوة أولى. هذا التقييم يجب أن يشمل ليس فقط المتطلبات القانونية الوطنية، بل أيضاً اللوائح المحلية في المدن والمقاطعات التي تعمل فيها الشركة. مثلاً، مدينة شنجن لها لوائح خاصة بمكافحة الفساد في القطاع التكنولوجي، وشانغهاي لديها متطلبات إضافية للشركات المتعاملة مع المؤسسات الحكومية. الفشل في فهم هذه التفاصيل المحلية قد يكلف الشركة غالياً.

تطوير السياسة الداخلية

بعد فهم البيئة القانونية، تأتي مرحلة تطوير السياسة الداخلية للشركة. هنا يواجه الكثير من المديرين تحدي التوفيق بين المتطلبات القانونية الصارمة والواقع العملي للأعمال في الصين. السياسة الجيدة ليست مجرد قائمة محظورات، بل هي نظام متكامل يوجه الموظفين في اتخاذ القرارات اليومية.

من تجربتي، السياسة الفعالة لمكافحة الرشوة يجب أن تكون "مصممة حسب الطلب" للشركة ولقطاعها. شركة في قطاع البناء لديها مخاطر وتحديات مختلفة عن شركة في قطاع التكنولوجيا أو الخدمات المالية. مثلاً، في قطاع البناء، هناك ظاهرة تسمى "العلاقات الخاصة" (关系) التي قد تتطور إلى علاقات غير أخلاقية إذا لم يتم إدارتها بشكل صحيح. السياسة يجب أن توفر إرشادات واضحة حول كيفية بناء العلاقات التجارية ضمن الحدود القانونية والأخلاقية.

أحد العناصر المهمة التي غالباً ما يتم إهمالها هو "نظام الإبلاغ عن المخالفات". كثير من السياسات تذكر أن الموظفين يجب أن يبلغوا عن المخالفات، لكنها لا توفر قنوات آمنة ومضمونة للقيام بذلك. في الصين، حيث الثقافة التنظيمية قد لا تشجع على الإبلاغ عن الزملاء أو الرؤساء، هذا الجانب بالغ الأهمية. أنصح دائماً بتطبيق نظام إبلاغ متعدد القنوات (هاتف، بريد إلكتروني، صندوق شكاوى مادي) مع ضمانات قوية لحماية المبلغين من الانتقام.

تذكرت حالة شركة أمريكية في قطاع التصنيع كان لديها سياسة امتثال ممتازة على الورق، لكن عندما حاول موظف صيني الإبلاغ عن دفع غير قانوني لمسؤول محلي، وجد أن جميع القنوات المذكورة في السياسة إما غير نشطة أو يتحكم فيها نفس المدير المشتبه به. النتيجة كانت أن الموظف لم يبلغ، واستمرت الممارسة غير القانونية لمدة سنتين إضافيتين قبل اكتشافها بالصدفة خلال تدقيق داخلي. الضرر الذي لحق بالشركة كان أكبر بكثير من تكلفة إنشاء نظام إبلاغ فعال منذ البداية.

التدريب والتوعية

أكثر الأخطاء شيوعاً التي أراها في الشركات الأجنبية هي اعتبار سياسة مكافحة الرشوة مجرد وثيقة يتم توزيعها على الموظفين للتوقيع عليها. في الحقيقة، السياسة بدون تدريب وتوعية فعالة هي مثل سيارة فاخرة بدون وقود - تبدو جيدة لكنها لا تتحرك. التدريب يجب أن يكون مستمراً ومتكيفاً مع الثقافة الصينية وبيئة الأعمال المحلية.

من خبرتي، التدريب الفعال في الصين يجب أن يتجاوز الترجمة الحرفية للمواد التدريبية العالمية. يجب أن يأخذ في الاعتبار الخلفية الثقافية للموظفين الصينيين وفهمهم لمفاهيم مثل "الرشوة" و"النزاهة" و"الصراع المصالح". مثلاً، مفهوم "الهدية" في الثقافة الصينية له دلالات اجتماعية مهمة، والتمييز بين الهدية المقبولة ثقافياً والرشوة المحظورة قانونياً قد يكون غير واضح للموظفين المحليين. التدريب الجيد يستخدم أمثلة واقعية من بيئة الأعمال الصينية لشرح هذه الفروق الدقيقة.

أيضاً، التدريب يجب أن يكون هرمياً ومخصصاً للمستويات المختلفة في المنظمة. المديرون التنفيذيون يحتاجون إلى تدريب مختلف عن مندوبي المبيعات أو موظفي المشتريات. في إحدى الشركات التي استشارتنا، اكتشفنا أن 80% من حوادث الامتثال كانت من قسم المشتريات، لكن جميع برامج التدريب كانت عامة وغير مخصصة. بعد تطوير تدريب مكثف ومخصص لقسم المشتريات، انخفضت الحوادث بنسبة 70% خلال سنة واحدة.

نقطة مهمة أخرى هي "التدريب على حالات الطوارئ الامتثالية". ماذا يجب أن يفعل الموظف إذا وجد نفسه في موقف قد يكون فيه عرضة للرشوة أو الضغط للقيام بدفع غير قانوني؟ كثير من السياسات تخبر الموظفين بما لا يجب فعله، لكنها لا تعطيهم أدوات عملية للتعامل مع المواقف الصعبة. في تدريباتنا، نستخدم تمارين لعب الأدوار ومحاكاة مواقف واقعية من بيئة الأعمال الصينية لإعداد الموظفين لهذه التحديات.

الرقابة والتدقيق

لا توجد سياسة فعالة بدون نظام رقابة وتدقيق قوي. في مجال مكافحة الرشوة، المبدأ "الثقة جيدة لكن الرقابة أفضل" ينطبق تماماً. نظام الرقابة يجب أن يكون استباقياً وليس رد فعل بعد وقوع المخالفة.

من وجهة نظري، نظام الرقابة الفعال يشمل ثلاثة مستويات: الرقابة الداخلية اليومية، والمراجعات الدورية، والتدقيق الخارجي المستقل. كثير من الشركات تركز على التدقيق الخارجي السنوي وتهمل الرقابة اليومية، وهذا خطأ كبير. الرقابة اليومية يمكن أن تكتشف المشاكل في مراحلها المبعة وتعالجها قبل أن تتفاقم.

أحد الأدوات الفعالة التي أنصح بها هو "تحليل بيانات المعاملات" باستخدام التقنية. في العصر الرقمي، معظم المعاملات المالية تتم إلكترونياً، وهذا يوفر فرصة للكشف عن الأنماط المشبوهة. مثلاً، نظام يمكنه اكتشاف المدفوعات التي تتم في أوقات غير عادية، أو للموردين الجدد بدون سجل كافٍ، أو المبالغ التي تقترب من الحدود القانونية ولكنها لا تتجاوزها (مما قد يشير إلى محاولة التهرب من الرقابة).

أتذكر حالة شركة ألمانية في قطاع السيارات استخدمت تحليل البيانات لاكتشاف نمط غريب في مدفوعات إحدى وحدات الأعمال. كانت المدفوعات لمقاولين محليين تزداد بشكل منتظم كل ربع سنة، دائماً قبل أيام قليلة من اجتماعات التقييم الحكومية. بعد التحقيق، اكتشفوا أن هذه المدفوعات كانت تمويلاً غير مباشر لرحلات ترفيهية للمسؤولين الحكوميين. الاكتشاف المبيع من خلال نظام الرقابة الداخلية منع مشكلة قانونية كبيرة.

نقطة مهمة في نظام الرقابة هي "استقلالية وظيفة الامتثال". في كثير من الشركات، مسؤول الامتثال يتبع إدارياً للقسم المالي أو القانوني، مما قد يخلق تضارب مصالح أو يحد من استقلاليته. الممارسة الجيدة هي أن يكون لمسؤول الامتثال خط تقرير مباشر إلى مجلس الإدارة أو لجنة التدقيق، مع ميزانية مستقلة وصول غير مقيد إلى المعلومات.

الإدارة العلائقية

في الصين، إدارة العلاقات مع الجهات الحكومية والشركاء التجاريين هي جزء أساسي من النجاح التجاري، لكنها أيضاً منطقة عالية الخطورة من حيث مخاطر الرشوة. التحدي هو كيفية بناء علاقات جيدة ضمن الحدود القانونية والأخلاقية. هذا ما أسميه "الإدارة العلائقية المسؤولة".

من خبرتي، المفتاح هو الشفافية والحدود الواضحة. يجب أن تفهم الشركة أن بناء العلاقات في الصين هو عملية طويلة الأمد تقوم على الثقة والمنفعة المتبادلة، وليس على الدفعات النقدية السريعة. السياسة الجيدة لمكافحة الرشوة لا تحظر العلاقات التجارية، بل توفر إطاراً أخلاقياً وقانونياً لإدارتها.

أحد الجوانب العملية هو إدارة الفعاليات والترفيه. في الثقافة التجارية الصينية، الدعوات للوجبات أو الفعاليات الاجتماعية هي ممارسة شائعة لبناء العلاقات. السياسة يجب أن توفر إرشادات واضحة حول ما هو مقبول وما هو غير مقبول. مثلاً، قد تكون الدعوة لوجبة عمل مقبولة إذا كانت معقولة القيمة وموثقة بشكل صحيح، بينما الدعوة لرحلة ترفيهية إلى منتجع فاخر قد تكون مشكلة.

في شركة جياشي، نطور ما نسميه "خريطة العلاقات المسؤولة" للعملاء. هذه الخريطة توثق جميع التفاعلات مع الجهات الحكومية والشركاء التجاريين، مع تسليل الهدف والقيمة والنتيجة. هذا لا يوفر شفافية فحسب، بل يساعد أيضاً في تبرير النفقات العلائقية إذا تم التدقيق فيها. المبدأ هو: إذا كنت تخجل من توثيق التفاعل، فهو على الأرجح غير مناسب.

كيفية وضع سياسات الامتثال لمكافحة الرشوة للشركات الأجنبية في الصين

تحدي شائع آخر هو التعامل مع الوسطاء والوكلاء المحليين. كثير من حوادث الرشوة في الشركات الأجنبية تحدث من خلال وسطاء محليين يستخدمون أساليب غير أخلاقية. السياسة الجيدة يجب أن تشمل إجراءات Due Diligence صارمة لاختيار الوسطاء والوكلاء، وعقود واضحة تحظر الممارسات غير القانونية، ورقابة مستمرة على أنشطتهم. من تجربتي، أفضل طريقة هي اختيار شركاء يتشاركون قيم النزاهة والشفافية، حتى لو كان سعر خدماتهم أعلى قليلاً.

الاستجابة للحوادث

بغض النظر عن قوة سياسة الوقاية، قد تحدث حوادث امتثال. كيفية الاستجابة لهذه الحوادث قد تكون الفرق بين أزمة مؤقتة وكارثة دائمة للشركة. سياسة مكافحة الرشوة غير مكتملة بدون بروتوكول واضح للاستجابة للحوادث.

من وجهة نظري، بروتوكول الاستجابة يجب أن يشمل أربع مراحل: الاكتشاف السريع، والتقييم الشامل، والاستجابة المناسبة، والتعافي المؤسسي. كثير من الشركات تركز على التستر على الحوادث خوفاً من السمعة، لكن هذا النهج عادة ما يفاقم المشكلة عندما تكتشف السلطات الحقيقة (وهو ما يحدث غالباً).

في حالة اكتشاف حادثة رشوة محتملة، أول خطوة هي "التجميد الوقائي" - وقف أي أنشطة مشبوهة فوراً لمنع تفاقم الموقف. ثم يأتي التقييم الشامل الذي يجب أن يشمل محامين متخصصين في القانون الصيني لمكافحة الفساد. هنا أرى خطأ شائعاً وهو استشارة محامين دوليين بدون خبرة عميقة في النظام القضائي الصيني. النصيحة القانونية يجب أن تكون محلية ومتخصصة.

أحد أهم جوانب الاستجابة هو التعاون مع السلطات. في النظام الصيني، التعاون الطوعي والكشف الذاتي عن المخالفات قد يؤدي إلى تخفيف كبير في العقوبات. سياسة الاستجابة الجيدة تحدد متى وكيف يتم التواصل مع السلطات، ومن سيكون مسؤولاً عن هذا التواصل. الفشل في التواصل المناسب قد يحول حادثة صغيرة إلى قضية جنائية كبرى.

أتذكر حالة شركة يابانية في قطاع الإلكترونيات اكتشفت دفعاً غير قانونياً من قبل مدير مبيعات محلي. بدلاً من التستر، قاموا بإجراء تحقيق داخلي سريع، ثم تقدموا طوعاً بالإبلاغ للسلطات مع خطة تصحيحة شاملة. النتيجة كانت غرامة مخففة جداً مقارنة بما كان يمكن أن يكون، واستمرار الرخصة التجارية. العبرة هي: في نظام العدالة الصيني، النية الحسنة والتصحيح الفعال لهما قيمة كبيرة.

التقييم والتطوير المستمر

أخيراً، سياسة مكافحة الرشوة ليست وثيقة ثابتة، بل هي نظام حي يجب أن يتطور مع تغير البيئة القانونية والتجارية. التقييم والتطوير المستمر هما ضمان استمرارية فعالية السياسة.

من تجربتي، التقييم يجب أن يكون منتظماً (على الأقل سنوياً) وشاملاً. يجب أن يشمل ليس فقط مراجعة الوثائق، بل أيضاً تقييم الفعالية العملية من خلال مقابلات مع الموظفين، وتحليل الحوادث السابقة، ومراجعة التغيرات القانونية. كثير من الشركات تجري مراجعة شكلية كل سنة دون تغييرات حقيقية، وهذا يخلق إحساساً زائفاً بالأمان.

أحد المؤ