# هل يمكن للاستثمار الأجنبي إنشاء مؤسسات طبية في الصين؟ وما هي القيود؟

مرحباً بكم، أنا الأستاذ ليو. قبل ما يزيد عن عقد من الزمن، وأنا جالس في مكتبي في شركة "جياشي" للضرائب والمحاسبة، تلقيت اتصالاً من صديق سعودي كان يحلم بإنشاء عيادة متخصصة في الطب التجميلي في شنغهاي. سألني بسذاجة: "لوي، هل الأمر مجرد تأسيس شركة عادية؟" أجبته وقتها بأن الوضع أشبه بطبخة معقدة، كل مقاديرها لها قواعد صارمة. اليوم، وبعد 14 عاماً من العمل في مجال تسجيل ومعاملات الشركات الأجنبية، لا زلت أرى أن دخول القطاع الطبي في الصين يشبه تسلق جبل عالٍ، المنظر من قمته خلاب، ولكن الطريق محفوف بالتحديات والضباب أحياناً. السوق الصينية الضخمة جذابة جداً، خاصة مع تزايد الطلب على الخدمات الطبية عالية الجودة. لكن هل الباب مفتوح على مصراعيه؟ الجواب: نعم، لكن بمفاتيح خاصة ووفق شروط محددة بدقة. في هذا المقال، سنغوص معاً في تفاصيل هذا المجال، وسأشارككم بعضاً من التجارب الحية التي عشتها مع عملائنا.

الإطار القانوني

بداية، لازم نفهم أن الإطار القانوني هو الأساس اللي كل شيء بيقف عليه. الصين فتحت قطاع الخدمات الطبية للاستثمار الأجنبي بشكل تدريجي. قبل سنوات، كان المسموح به غالباً هو المشاريع المشتركة مع طرف صيني، وكانت نسبة المساهمة الأجنبية محدودة. لكن الوضع تغير! حالياً، وفقاً لـ "القائمة السلبية للاستثمار الأجنبي"، يمكن إنشاء مؤسسات طبية ذات ملكية أجنبية كاملة (WFOE) في العديد من المدن، خاصة في المناطق التجريبية مثل منطقة شنغهاي للتجارة الحرة. لكن، هذا لا يعني "حرية مطلقة". القانون الصيني واضح: أي مؤسسة طبية، محلية أو أجنبية، يجب أن تحصل على "ترخيص الممارسة الطبية" من لجنة الصحة المحلية. عملية الحصول على هذا الترخيص معقدة وتتطلب استيفاء شروط صارمة تتعلق بمواصفات المكان، والأجهزة، والأهم، الكوادر الطبية المؤهلة. أتذكر حالة عميل من الإمارات أراد إنشاء مركز للعلاج الطبيعي. واجهنا تحديًا في إثبات معادلة شهادات أخصائييه العلاج الطبيعي وفق النظام الصيني، الأمر الذي استغرق شهوراً من التنسيق مع وزارة الموارد البشرية والضمان الاجتماعي. الإطار موجود وواضح، لكن تفاصيل التطبيق هي التي تحدد نجاح المشروع من فشله.

قيود الملكية

كثير من المستثمرين بيجي ولسانه سؤال: "أنا عايز أسيطر 100% على المشروع، ممكن؟" هنا ندخل في نقطة قيود الملكية والهيكل. كما ذكرت، اتجاه السياسة العام هو التحرير. ففي مدن مثل بكين وشنغهاي وقوانغتشو، أصبح تأسيس مستشفى أو عيادة بملكية أجنبية كاملة ممكناً رسمياً. لكن، تبقى هناك قيود "خفية" أو غير مباشرة. مثلاً، في مجال الطب التقليدي الصيني، قد تفضل الجهات التنظيمية وجود شريك صيني ذو خبرة. أيضاً، حتى في المشاريع ذات الملكية الكاملة، هناك شرط أساسي هو أن المدير المسؤول (الممثل القانوني) للمؤسسة الطبية يجب أن يكون طبيباً مؤهلاً ومقيداً في سجلات الممارسة الطبية في الصين، وغالباً ما يكون من الصعب جداً أن يكون هذا الشخص أجنبياً إلا إذا حصل على ترخيص ممارسة في الصين، وهي عملية شاقة. لذلك، عملياً، حتى لو كنت تملك 100% من الأسهم، فإن الإدارة اليومية والمسؤولية القانونية قد تكون في يد شريك أو مدير صيني مؤهل. هذا ليس قيداً على الملكية بقدر ما هو قيد على التحكم الفعلي.

في تجربتنا مع عميل أوروبي أراد إنشاء عيادة متخصصة في طب العيون، وافقنا على هيكل الملكية الكاملة، لكن التحدي الحقيقي كان في تعيين رئيس طبي صيني يحمل سجلاً مهنياً نظيفاً وموثوقاً. عملية البحث والفحص كانت أطول وأصعب من عملية التسجيل التجاري نفسها. هذا يوضح أن القيود ليست دائماً في نسبة المساهمة، بل في التفاصيل التشغيلية والإدارية التي تفرضها اللوائح.

إجراءات الموافقة

خلينا نتكلم عن الإجراءات والموافقات، اللي هي رحلة طويلة مليئة بالمحطات. العملية مش مجرد "تسجيل شركة" في إدارة الصناعة والتجارة. هي سلسلة من الموافقات من عدة جهات، وغالباً ما تسمى "Approval Chain". أولاً، تحتاج إلى موافقة مبدئية من لجنة الصحة على جدوى المشروع وملاءمته للتخطيط الصحي المحلي. بعدها، تأتي مرحلة اختيار الموقع، الذي يجب أن يلبي شروطاً صحية وبيئية محددة. ثم تقديم طلب الحصول على "ترخيص الممارسة الطبية"، وهو القلب من العملية. الملف المطلوب ضخم: يشمل تقارير جدوى مفصلة، سير ذاتية وشهادات جميع الأطباء والممرضين، مواصفات كاملة للمعدات، خطط الجودة والطوارئ، وغيرها.

أذكر مرة أن فريقنا عمل لمدة ستة أشهر على ملف عميل لإنشاء مركز غسيل كلوي. أكبر عقبة واجهتنا كانت من إدارة حماية البيئة، حيث كانت هناك متطلبات صارمة جداً للتخلص من النفايات الطبية السائلة. كاد المشروع أن يتوقف لولا أن وجدنا تقنية معالجة متطابقة مع المعايير الصينية وقدمنا تقارير فنية مقنعة. الدرس هنا: الإجراءات ليست خطية دائماً، وقد تتداخل وتتعارض متطلبات الجهات المختلفة. وجود مستشار متمرس يفهم لغة كل جهة ويستطيع التنسيق بينها هو أمر لا غنى عنه لتجنب التأخيرات التي قد تصل لسنوات أحياناً.

تحديات الكوادر

ما فائدة أحدث الأجهزة في أجمل المباني إذا لم يكن هناك أطباء وممرضون أكفاء؟ تحدي الكوادر الطبية هو ربما أكبر عائق عملي يواجه المستثمر الأجنبي. النظام الصيني له مسار تعليمي وتأهيلي خاص للأطباء. الطبيب الأجنبي، حتى لو كان مشهوراً عالمياً، لا يستطيع ممارسة الطب في الصين إلا بعد الحصول على ترخيص مؤقت للممارسة، وهذا يتطلب اجتياز امتحانات وفحوصات، وغالباً ما يكون مرتبطاً بمؤسسة تعليمية أو بحثية. لذلك، معظم المؤسسات الطبية الأجنبية تعتمد على الأطباء الصينيين الذين تخرجوا من جامعات محلية أو عادوا من الدراسة في الخارج.

لكن المنافسة على هؤلاء الأطباء المتميزين شرسة جداً، خاصة مع نمو القطاع الطبي الخاص المحلي أيضاً. الرواتب والمزايا التي تقدمها المؤسسات الأجنبية يجب أن تكون استثنائية لجذب المواهب. عندنا في "جياشي"، ننصح عملائنا دوماً بتخصيص جزء كبير من ميزانيتهم المبدئية لخطة جذب واستبقاء الكوادر، وليس فقط للبناء والتجهيز. الطبيب النجم هو العلامة التجارية الحقيقية للمؤسسة الطبية.

التكيف مع السوق

السوق الصيني مختلف. المستهلك الصيني (المريض) له توقعات وسلوكيات مختلفة. هنا ندخل في مجال التكيف الثقافي والتسويقي. النموذج الغربي في الخدمة الطبية، رغم تميزه، قد يحتاج إلى تعديل. مثلاً، ثقافة الثقة في الطبيب تختلف، والمريض الصيني قد يرغب في شرح أكثر تفصيلاً أو حتى الحصول على رأي ثانٍ بسرعة. أيضاً، قنوات التسويق تختلف جذرياً. الاعتماد على منصات مثل WeChat و Weibo و Xiaohongshu أصبح ضرورياً، لكن التسويق للخدمات الطبية له قيود أخلاقية وقانونية صارمة في الصين. لا يمكنك الادعاء بأنك "الأفضل" ببساطة.

تذكرت تجربة عميل ياباني افتتح عيادة تجميل. حملته الإعلانية الأولى ركزت على "الدقة اليابانية والتقنيات المتطورة"، لكنها لم تنجح كما توقع. بعد دراسة السوق، أدركنا أن العملاء المحليين يهتمون أكثر بـ "الطبيعية" و "الملاءمة للسمات الآسيوية". غيرنا رسالتنا التسويقية لتركز على "الجمال المناسب لك" مستخدمين أمثلة تناسب الذوق الآسيوي، فتحسنت النتائج بشكل ملحوظ. الفهم العميق للثقافة المحلية واحتياجات المريض هو مفتاح النجاح، وليس فقط الجودة التقنية.

الشؤون المالية والضريبية

آخر نقطة مهمة جداً وهي الجانب المالي والضريبي. المؤسسات الطبية لها طبيعة خاصة. أسعار الخدمات الطبية في الصين غالباً ما تكون خاضعة لإرشادات حكومية، خاصة للخدمات الأساسية. هامش الربح قد لا يكون عالياً كما في بعض القطاعات الأخرى. من الناحية الضريبية، هناك بعض الإعفاءات أو التخفيضات للمؤسسات الطبية التي تقدم خدمات معينة، لكن شروط الاستفادة منها معقدة. أيضاً، نظام الفواتير في القطاع الطبي صارم ومرتبط بأنظمة التأمين الصحي.

هل يمكن للاستثمار الأجنبي إنشاء مؤسسات طبية في الصين؟ وما هي القيود؟

كثير من المستثمرين الأجانب يغفلون عن تكاليف التشغيل المستمرة العالية، مثل تكاليف صيانة الأجهزة الطبية باهظة الثمن، وتكاليف التدريب المستمر للطاقم الطبي. في شركة "جياشي"، دائماً ننصح عملاءنا بإعداد نموذج مالي واقعي يحسب كل هذه التكاليف "المخفية". مصطلح مثل "التكلفة الكاملة للخدمة" يصبح مهماً هنا. الاستثمار في القطاع الطبي استثمار طويل الأجل وصبور، وليس لمحبي الأرباح السريعة.

الخلاصة والتطلع للمستقبل

باختصار، الإجابة على سؤال "هل يمكن للاستثمار الأجنبي إنشاء مؤسسات طبية في الصين؟" هي نعم قوية، لكن مصحوبة بتحذير: "استعد جيداً للرحلة". الباب مفتوح أكثر من أي وقت مضى، والسياسة تشجع على جودة الخدمات الطبية التي يمكن أن يجلبها المستثمرون الدوليون. لكن القيود موجودة في التفاصيل: في الإجراءات المعقدة، في معادلة الشهادات، في المنافسة على الكوادر، وفي التكيف مع السوق المحلي.

برأيي الشخصي، المستقبل واعد للمستثمر الجاد والصبور. اتجاه التعداد السكاني نحو الشيخوخة وارتفاع مستوى الدخل يخلقان سوقاً ضخمة للرعاية الصحية المتخصصة والجودة العالية. لكن النجاح سيكون من نصيب من يفهم أن هذا مجال لا مكان فيه للمخاطرة العالية أو البحث عن الربح السريع. هو مجال يرتكز على الثقة والجودة والاستمرارية. أنصح أي مستثمر محتمل بأن يبدأ بدراسة جدوى عميقة، ويستعين بفريق استشاري محلي متمرس، ويتسلح بالصبر والرؤية طويلة الأمد. الرحلة صعبة، ولكن الوجهة - وهي المشاركة في رفع مستوى الرعاية الصحية في سوق مهم مثل الصين - تستحق العناء.

رؤية شركة جياشي للضرائب والمحاسبة

في شركة جياشي للضرائب والمحاسبة، ونحن نراقب تطورات السوق منذ أكثر من 12 عاماً في خدمة الشركات الأجنبية، نرى أن دخول القطاع الطبي في الصين تحول من "مغامرة" إلى "فرصة استراتيجية قابلة للإدارة". نجاح هذا الدخول لا يعتمد فقط على رأس المال أو التقنية الطبية المتقدمة، بل على القدرة على التنقل ببراعة في المنظومة التنظيمية المعقدة وبناء جسور الثقة مع الجهات المحلية. نحن نعتبر أنفسنا أكثر من مجرد مقدمي خدمات تسجيل؛ نحن شركاء في التخطيط الاستراتيجي. نقوم بتحليل المخاطر التنظيمية مسبقاً، ونساعد في صياغة نماذج الأعمال المتوافقة مع البيئة المحلية، وندعم عملائنا في إدارة العلاقة مع الجهات الحكومية طوال دورة حياة المشروع. تجربتنا علمتنا أن المشروع الطبي الناجح هو الذي يدمج المعايير العالمية مع الفهم العميق للواقع الصيني، من التشريعات إلى توقعات المريض. ننصح عملائنا دوماً بالنظر إلى الاستثمار الطبي على أنه التزام طويل الأمد تجاه المجتمع والسوق الصيني، وهو التزام، إذا تم الوفاء به بجدية، فإنه يجلب عوائد مستدامة على كل المستويات.