مقدمة: عالم الاستثمار ذو البوابات الموصدة
صباح الخير، أيها المستثمر الكريم. أنا الأستاذ ليو، من شركة جياشي للضرائب والمحاسبة. خلال الـ12 سنة اللي قضيتها في خدمة الشركات الأجنبية هنا، و14 سنة في مجالات التسجيل والمعاملات، شفت كم من مستثمر واعد، حماسه يطير، يجي ومعه أفكار وخطط تفتح النفس. لكن للأسف، أحيانًا كتير، أول ما نبدأ نناقش المشروع، نكتشف إنه واقف قدام باب "ممنوع الدخول" تمامًا. الإحباط اللي بيحس فيه الإنسان في اللحظة دي، صعب أوصفه. فكرة إنك تدفع وقت وفلوس وجهد في دراسة جدوى وتخطيط، ولما توصل لآخر خطوة تكتشف إن القانون ما بيسمحش، دي تجربة مرة. علشان كده، النهاردة، عايز أتكلم معاكم بلغة واضحة وقريبة من الواقع، عن سؤال بيجي على بال أي حد بيفكر يدخل السوق: "ما هي الصناعات الممنوعة تمامًا على الاستثمار الأجنبي؟". الموضوع ده مش مجرد قائمة نقرأها، ده فهم لسياسة الدولة وأمنها القومي وثقافتها، وهو أول وأهم خطوة في رحلة الاستثمار الناجحة. عدم الفهم ده بيخليك تخسر قبل ما تبدأ أصلاً.
أمن الدولة أولاً
طبعًا، أول حاجة تيجي على البال، وده منطقي في أي دولة في العالم، هي قطاعات الأمن القومي والدفاع. هنا الكلام بيكون واضح وحاسم. ما فيش مجال للمفاوضة أو البحث عن ثغرات. ده يشمل صناعة الأسلحة والذخيرة، وتصميم وتطوير الأنظمة العسكرية الحساسة، وحتى بعض الأنشطة البحثية المتعلقة بالتكنولوجيا المزدوجة الاستخدام (Dual-use technologies) اللي ممكن تستخدم في التطبيقات العسكرية. كنت شايف حالة لشركة أوروبية كانت عايزة تستثمر في مصنع لإنتاج مواد كيميائية متخصصة، كانت بتقول إنها للاستخدامات المدنية السلمية بس. بس بعد التدقيق، اتضح إن جزء من خط الإنتاج ده ممكن بتحويرات بسيطة يدخل في سلسلة تصنيع مكونات حيوية للأمن. المشروع وقف على طول. الحكومة هنا ما بتتساهلش، والرقابة بتكون مشددة. الفكرة الأساسية: أي حاجة ممكن، حتى لو بنسبة ضئيلة، تمس قدرات الدولة الدفاعية أو أمن معلوماتها الاستراتيجي، بتكون خارج الطاولة بالنسبة للمستثمر الأجنبي. ده مش تقييد للاستثمار، ده حماية للكيان نفسه اللي المستثمر جاي يستفيد من استقراره.
وفي سياق متصل، قطاع الأمن الداخلي والمخابرات برضه من المناطق المحظورة. نظام الاتصالات الحكومي السري، أنظمة المراقبة الأمنية المركزية، خدمات التشفير الخاصة بالدولة. كل دي مجالات مغلقة. في مرة، كان في عرض من شركة آسيوية كبيرة لعمل شراكة في تطوير أنظمة "مدنية" للمدن الذكية. بس التفاصيل الفنية كشفت إن التكنولوجيا الأساسية بتاعتها ممكن تتدمج بسهولة مع شبكات المراقبة والتحكم الأمنية الحساسة. اللجنة الفنية رفضت الطلب من جذوره. الخلاصة: لو شغلك هيقربك من قلب أمن الدولة الداخلي، فالأفضل تدور على فرصة تانية. ده المجال اللي الدولة بتكون فيه شديدة الحساسية، وموافقة بسيطة على مشروع غلط ممكن تفتح أبواب مشاكل أمنية كبيرة.
الثقافة والهوية
الحكومات، وخصوصًا في منطقتنا، بتهتم جدًا بحماية الهوية الثقافية والتراث الوطني. علشان كده، تلاقي قطاعات مثل الإعلام المرئي والمسموع الموجه محليًا (قنوات التلفزيون الأرضي والإذاعة الوطنية الأساسية) محجوزة للكيان الوطني. ده علشان تضمن إن الخطاب الموجه للجمهور العريض بيكون متوافق مع سياسات الدولة وقيم المجتمع. كمان، إدارة وتشغيل مواقع الآثار التاريخية والتراثية الوطنية، غالبًا بتكون محمية من الاستثمار الأجنبي المباشر. تخيل لو معبد فرعوني أو موقع تاريخي إسلامي مهم إدارته وقعت في أيدٍ أجنبية بحتة؟ ممكن القرارات التجارية تتعارض مع القيمة التاريخية والرمزية للمكان.
وفي مجال النشر، تلاقي نشر الكتب المدرسية والمناهج التعليمية الرسمية محظور على الأجانب. ده شيء منطقي جدًا. المناهج التعليمية هي اللي بتشكل عقلية وجيل كامل. الدولة عايزة تضمن إن الرسالة اللي بتوصلها للطلاب بتكون تحت سيطرتها الكاملة ومن منظورها هي. حتى دور النشر الخاصة بالكتب الدينية الرسمية (مثل طباعة المصحف الشريف) بتكون خاضعة لرقابة صارمة وقد تكون محظورة على الملكية الأجنبية. ده تحدي بيواجهه المستثمرين اللي خلفيتهم في قطاع التعليم أو الإعلام. النصيحة هنا: الاستثمار في المحتوى الرقمي أو التعليم التكميلي ممكن يكون أسهل وأكثر فتحًا من الدخول في صميم المنظومة التعليمية أو الإعلامية الرسمية.
القطاعات الحيوية
في ناس كتير بتفكر في قطاع الطاقة والنقل على إنه مجال مربح وجذاب. جزء من ده صح، لكن في تفاصيل مهمة. شبكات نقل الكهرباء الوطنية الرئيسية (الشبكة القومية)، وخطوط أنابيب النفط والغاز الاستراتيجية اللي بتمر عبر حدود الدولة، عادة ما بتكون تحت سيطرة كاملة للدولة أو شركاتها الوطنية. المستثمر الأجنبي ممكن يدخل في مجالات التوليد (خصوصًا الطاقات المتجددة) أو التوزيع على مستوى محدود، لكن التحكم في الشريان الرئيسي للطاقة بيكون محفوظ. نفس الكلام على شبكات السكك الحديدية الوطنية الأساسية. ده علشان ضمان استقرار وأمن إمدادات الطاقة والمواصلات، اللي هي عصب الحياة والاقتصاد.
كمان، في بعض الدول، قطاع المياه والصرف الصحي بيكون حساس جدًا. إدارة مصادر المياه العذبة الرئيسية (مثل الأنهار الكبيرة أو السدود الاستراتيجية) ومعالجة مياه الشرب للمدن الكبيرة، ممكن تكون محظورة على الملكية الأجنبية المباشرة. علشان المياه مسألة حياة أو موت، والدولة ما بتسمحش بأن يكون فيها تهديد أو ضغط من طرف أجنبي على مورد حيوي زي ده. المستثمر ممكن يدخل في مجالات تكنولوجيا معالجة المياه أو تحلية المياه، لكن التشغيل والإدارة المباشرة للمرفق العام نفسه بيكون صعب.
الخدمات المالية
القطاع المالي، وخصوصًا البنك المركزي وأدوات السياسة النقدية، طبعًا خارج المنافسة. ده قلب الاقتصاد. لكن الحظر ممكن يمتد لأشكال معينة من المؤسسات المالية المتخصصة اللي بتتعامل مع مدخرات محددة، زي صناديق معاشات القطاع العام أو بعض أنواع شركات التخصيم المتعلقة بالديون الحكومية. الدولة عايزة تضمن سيطرتها على أدوات السياسة النقدية والمالية، وضمان أمان مدخرات المواطنين في مؤسسات حيوية. في تجربة عملية، كان فيه محاولة لإنشاء شركة تأمين متخصصة في مخاطر المشاريع العامة بشراكة أجنبية. الرقابة المالية رفضت علشان طبيعة المشاريع الحكومية الحساسة والبيانات اللي ممكن تتعرض لها الشركة. هنا بيتضح إن "السرية" و"السيطرة" مفاهيم أساسية.
القطاع النووي
ده قطاع واضح ومباشر. كل الأنشطة المتعلقة بالدورة النووية الكاملة، من تعدين اليورانيوم الخام، إلى التخصيب، إلى التصميم والتطوير والتصنيع للمفاعلات النووية (خصوصًا تلك ذات الاستخدامات العسكرية أو البحثية الحساسة)، وإدارة النفايات المشعة عالية المستوى، كل دي صناعات محظورة حظرًا باتًا على الاستثمار الأجنبي المباشر. الدول بتكون حريصة جدًا على السيطرة على هذه التكنولوجيا لأسباب أمنية واستراتيجية بحتة. حتى في الدول اللي بتشجع الطاقة النووية السلمية، الجانب المتعلق بالتكنولوجيا الأساسية والتشغيل الأمني بيكون تحت رقابة وطنية صارمة. المستثمر الأجنبي ممكن يشارك في تقديم خدمات استشارية أو معدات غير حرجة، لكن القلب النابض للتكنولوجيا بيكون مغلق.
الخلاصة: الفهم قبل الاستثمار
في النهاية، يا سادة، فهم "الصناعات الممنوعة" مش خطوة بيروقراطية مملة، ده أساس السلامة الاستثمارية. اللي بنشوفه من خبرة سنين طويلة إن النجاح مش بيكون في محاولة اختراق المناطق المحظورة، لكن في الذكاء في اكتشاف الفرص الهائلة اللي موجودة حوليها. القيود دي بتكون موجودة في كل دول العالم، وبتختلف من مكان لمكان حسب الأولويات الأمنية والثقافية والاستراتيجية لكل دولة. الغرض من المقالة دي إننا نفتح عيون المستثمر على العقبة الأولى والأهم في الطريق، عشان ما يضيعش وقته وطاقته في سباق ماينفعش يكسبه.
وجهة نظري الشخصية، إن هذه القوائم مش ثابتة. مع تغير الظروف الجيوسياسية والتكنولوجية، ممكن تتحول بعض المجالات من "ممنوعة" إلى "مقيدة بشروط" أو حتى "مفتوحة". التحدي للمستثمر الذكي إنه يتابع هذه التطورات بدل ما يعتبر القائمة الحالية حجر عثرة نهائي. كمان، في كثير من الحالات، الشراكة مع كيان محلي قوي (Joint Venture) قد تفتح أبوابًا في مناطق رمادية، لكن ده موضوع آخر يحتاج تحليل دقيق للمخاطر والمنافع. المستقبل هيشهد تحولات، وخصوصًا في مجالات مثل الفضاء والتكنولوجيا الحيوية، وهنا بيكون على المستثمر والمستشار القانوني يكونوا على أعلى درجة من اليقظة والدراية.
رؤية شركة جياشي للضرائب والمحاسبة
في شركة جياشي، بنؤمن بأن النجاح الحقيقي للاستثمار الأجنبي لا يبدأ بدراسة الجدوى المالية فقط، بل بفهم الإطار القانوني والاستراتيجي الذي يحكمه. خبرتنا التي تمتد لأكثر من عقد في خدمة الشركات الأجنبية علمتنا أن التحدي الأكبر ليس في إدارة الحسابات أو التسجيل، بل في التوجيه الاستراتيجي الأولي الذي يمنع التصادم مع الجدران القانونية الصلبة. لذلك، نرى أن مسؤوليتنا تتجاوز الإجراءات الروتينية لتصل إلى كوننا "مرشدين استراتيجيين" في البيئة الاستثمارية. نهجنا يقوم على مبدأ "الشفافية الوقائية"، حيث نقدم للعميل صورة واضحة ومحدثة عن القطاعات المحظورة والمقيدة منذ اللقاء الأول، ونعمل معه على صياغة نموذج استثماري لا يتعارض مع أولويات الدولة، بل ويكمل مسيرتها التنموية. نحن لا نبيع للعميل مجرد خدمة، بل نبيع له الطمأنينة والمعرفة التي تمكنه من اتخاذ قرار واعي، يحفظ استثماره ويضمن استمراريته في سوق ديناميكي ومعقد. الاستثمار الآمن هو الاستثمار الواعي، وهذا ما نحرص على تقديمه لكل شريك يعبر عتبة مكتبنا.