مقدمة: الاستثمار في الطاقة النووية.. بوابة ذهبية محفوفة بالشروط

السلام عليكم، أنا الأستاذ ليو من شركة جياشي للضرائب والمحاسبة. خلال الـ 12 سنة اللي قضيتها في خدمة الشركات الأجنبية، وخصوصًا في مجالات الطاقة والبنية التحتية الثقيلة، شفت كم هو موضوع الاستثمار في محطات الطاقة النووية حساس ومعقد. كثير من المستثمرين اللي بيجوا بنية حلوة وعزم قوي، بيصطدموا بواقع بيكون مختلف عن أي مجال تاني. فكرة إنك تبني محطة نووية مش زي ما تبني مصنع أو مول تجاري. الموضوع هنا بيتعلق بأمن دولة، وسلامة شعب، واستقرار إقليمي كامل. فطبيعي تكون القيود عليه مش بس موجودة، لكنها بتكون محكمة ومتشعبة بطريقة تفرضها طبيعة المشروع نفسه. في المقالة دي، هنكسر بعض القيود اللي بتواجه المستثمر الأجنبي في مجال البناء والتشغيل، وبنفس أسلوبنا الودود في "جياشي"، هنحاول نوضحلكم الخريطة من واقع خبراتنا العملية وتجاربنا الميدانية.

السيادة والأمن القومي

أول حاجة وأهم حاجة لازم نفهمها: الطاقة النووية هي قضية سيادة وأمن قومي بالدرجة الأولى. مفيش دولة في العالم بتسمح لشركة أجنبية، مهما كانت كبيره، إنها تتحكم بشكل كامل في مفاعل نووي على أراضيها. ده مش معناه عدم الثقة، لكنه إجراء احترازي أساسي. علشان كده، أغلب الدول بتمنع الملكية الأجنبية الكاملة لمحطات الطاقة النووية. بيكون فيه دائمًا شرط للشراكة مع كيان محلي، غالبًا بيكون شركة حكومية أو شبه حكومية. نسبة المشاركة دي بتكون متفاوته، ممكن تبدأ من 49% للمستثمر الأجنبي وتصل لـ 51% للطرف المحلي، أو العكس حسب سياسة كل دولة. في تجربة عملية صادفتها مع عميل أوروبي كان عايز يدخل في مشروع بالشرق الأوسط، التفاوض على هيكل الملكية وحده أخذ شهور طويلة. الطرف المحلي كان مصر على أن يكون له السيطرة التشغيلية في القرارات المتعلقة بالأمن والسلامة، بينما المستثمر الأجنبي كان ممكن يتحكم أكثر في الجانب المالي والتقني. التوازن هنا صعب، وبيحتاج محامي ومستشارين فاهمين في "قانون الاستثمار الاستراتيجي" للدولة، مش مجرد قانون الاستثمار العادي.

هل توجد قيود على الاستثمار الأجنبي في بناء وتشغيل محطات الطاقة النووية؟

كمان، في جانب تاني متعلق بالأمن، وهو التحكم في الوقود النووي المستهلك (النفايات المشعة). المستثمر الأجنبي ممنوع من أساسه إنه ينقل أو يتصرف في الوقود المستهلك خارج إطار برنامج وطني مرخص ومعتمد من الهيئة الدولية للطاقة الذرية. ده بيخلق تحدي لوجستي وتكلفة كبيرة، لأن التخزين والإدارة الآمنة للنفايات دي بتكون تحت سيطرة الدولة المضيفة بشكل كامل. المستثمر بيكون مسؤول عن التكاليف، لكن القرار النهائي بيكون للدولة. ده بيخلق نوع من "التبعية التشغيلية" اللي لازم المستثمر يحسب حسابها في الجدوى الاقتصادية طويلة المدى.

الإطار القانوني والتراخيص

الإطار القانوني اللي بيحكم الطاقة النووية بيكون معماري معقد. مشروع المحطة النووية الواحدة بيكون خاضع لـ 10 قوانين على الأقل: قانون الاستثمار، وقانون البيئة، وقانون الكهرباء، وقانون التعامل مع المواد المشعة، وقانون الدفاع المدني، وقوانين المناقصات والمشتريات الحكومية، وغيرها. عملية الحصول على التراخيص لوحدها ممكن تكون رحلة تمتد لسنين. فيه ترخيص للموقع، وترخيص للتصميم، وترخيص للبناء، وترخيص للتشغيل، وكل واحد فيهم ليه متطلباته اللي بتكون شاقة. من واقع شغلي، الشركات الأجنبية الكبيرة بتكون عندها فرق كاملة مخصصة للتراخيص والامتثال، لكن حتى كده بيحتاجوا لمستشارين محليين عارفين دهاليز الجهات الرقابية. التحدي الأكبر بيكون في "تقييم الأثر البيئي والاجتماعي" اللي بيكون وثيقة ضخمة ومكلفة، وأي ملاحظة من الجهة الرقابية ممكن تؤخر المشروع شهور.

كمان، فيه قضية مهمة وهي "المسؤولية القانونية في حالة الحوادث". معظم الدول بتكون طرف في اتفاقيات دولية زي اتفاقية فيينا أو اتفاقية باريس، اللي بتحدد المسؤولية المالية للضرر النووي. لكن في التفاصيل، بيكون فيه سقف للمسؤولية، وأي تعويضات فوق السقف ده بتكون على عاتق الدولة المضيفة. لكن المشكلة إن المستثمر الأجنبي بيكون مطالب بتقديم ضمانات مالية ضخمة (مثل تأمين المسؤولية المدنية النووية) لتغطية مسؤوليته حتى السقف المتفق عليه. تكلفة هالضمانات دي بتكون عالية جدًا وبتشكل عبء على هيكل التمويل. في حالة من الحالات، كان فيه تفاوض مرير على من يتحمل تكلفة قسط التأمين الإضافي في حالة رفعه شركة التأمين، هل هو المستثمر الأجنبي أم الشريك المحلي؟ ده نوع من المخاطر التشغيلية غير المباشرة اللي بتكون مخفية في بنود العقود.

نقل التكنولوجيا والمعرفة

واحد من أهم شروط الدول المضيفة للموافقة على دخول مستثمر أجنبي، هو ضمان نقل التكنولوجيا والخبرة الفنية للكوادر المحلية. ده مش مجرد شرط تعاقدي، ده بيكون غالبًا من صلب استراتيجية الدولة. علشان كده بتكون فيه بنود في اتفاقية المشاركة بتلزم المستثمر الأجنبي ببرامج تدريب مكثفة، وتوطين لمناصب قيادية فنية مع الوقت، وحتى مشاركة في تطوير التصميمات المستقبلية. التحدي هنا بيكون للمستثمر الأجنبي إنه يوازن بين حماية أسراره التكنولوجية والامتثال لشروط نقل المعرفة. فيه شركات كبيره بتكون عندها "حزم تكنولوجية" جاهزة، لكنها بتقاوم فكرة فتح الكود المصدري لكل شيء. ده بيخلق مفاوضات طويلة حول تحديد أي التكنولوجيات "الحساسة" اللي ماينفعش نقلها، وأيها "العادية" اللي ممكن مشاركتها.

من ناحية تانية، نقل المعرفة ده بيكون له تكلفة مالية وتنظيمية كبيرة على المستثمر الأجنبي. بيكون محتاج يبني أكاديميات تدريب، ويجيب مدربين من الخارج، ويطور مناهج. كل ده بيزيد من التكاليف الرأسمالية الأولية. لكن في المقابل، الدول الذكية بتكون مستعدة تقدم حوافز للمستثمر اللي بيكون جاد في نقل المعرفة، ممكن تكون في شكل إعفاءات ضريبية أو تمديد لفترة الامتياز. النقطة اللي لازم ننتبه ليها إن عملية النقل دي مش فورية، وده معناه إن التبعية الفنية للشركة الأجنبية بتكون مستمرة لفترة طويلة، حتى بعد ما الكوادر المحلية تاخد زمام الأمور. الفترة الانتقالية دي بتكون مليئة بالتحديات الإدارية.

التحديات المالية والتمويل

بناء محطة نووية مشروع بتكاليف خيالية، ممكن توصل لعشرات المليارات من الدولارات. تأمين التمويل لمشروع بهذا الحجم والحساسية هو تحدي بحد ذاته. البنوك التجارية بتكون حذرة جدًا من تمويل مشاريع نووية بسبب المخاطر السياسية والتشغيلية العالية وطول فترة الاسترداد. علشان كده، بيكون التمويل خليط من: حقوق ملكية من الشركاء، وقروض من مؤسسات التمويل التصديرية التابعة لدولة المنشأ (مثل الـ EXIM Bank)، وقروض من بنوك تنمية متعددة الأطراف، وربما إصدار سندات سيادية بضمانة الدولة المضيفة. تعقيد هيكل التمويل ده بيولد تعقيد في الضمانات المطلوبة. الدولة المضيفة بتكون مطالبة أحيانًا بتقديم ضمانات سيادية لسداد القروض، وده بيكون قرار سياسي كبير.

في الجانب الضريبي، المشاريع النووية بتكون في العادة معفاة من الكثير من الضرائب والرسوم الجمركية على المعدات المستوردة، كحافز استراتيجي. لكن ده بيأتي ضمن إطار قانوني محدد ومؤقت. دورنا كمستشارين ضريبيين بيكون مساعدة المستثمر في فهم نطاق هالإعفاءات بالضبط، وإجراءات الحصول عليها، وكيفية التعامل مع الفترة الانتقالية بعد ما الإعفاءات تنتهي. فيه حالة لعميل، كان فيه التباس في تصنيف قطعة غيار معينة إذا كانت تدخل في نطاق الإعفاء الجمركي للمعدات "الأساسية" للمحطة، ولا هي "مستلزمات تشغيل" عادية خاضعة للضريبة. النقاش مع الجمارك أخذ وقت، وكان محتاج تقديم أوراق فنية كثيرة لإثبات وجهة نظرنا. ده نوع من التفاصيل الإدارية اللي بتفرق كتير في التكاليف.

المخاطر السياسية والاستقرار

المشروع النووي بيكون عمره افتراضي من 60 لـ 80 سنة. التفكير في الاستقرار السياسي والاستمرارية التشريعية على مدى قرن هو أمر بالغ الأهمية. المستثمر الأجنبي بيكون قلق من تغيير الحكومة أو تغيير السياسات اللي ممكن يؤثر على اتفاقياته. علشان كده، بيكون فيه طلب دائم على "اتفاقيات استقرار" أو "ضمانات ضد التغيير التشريعي" من الدولة المضيفة. ده معناه إنه إذا غيرت الدولة قوانينها (مثل زيادة الضرائب أو تشديد الشروط البيئية) بعد توقيع العقد، يبقى العقد الأصلي هو الساري للمستثمر. لكن الدول بتكون مترددة في منح هالضمانات الواسعة، خصوصًا في المجالات الحيوية زي الطاقة النووية.

كمان، فيه خطر "التأميم" أو "نزع الملكية" الغير مباشر. مثلاً، فرض رسوم أو قيود جديدة بشكل مفاجئ بتخلي المشروع غير اقتصادي. أو منح امتيازات أقل تكلفة لمنافس محلي في المستقبل. كل ده بيتم التعامل معه عبر آليات تحكيم دولي متفق عليها في العقد. لكن حتى التحكيم الدولي عملية طويلة ومكلفة. علشان كده، اختيار الشريك المحلي الموثوق واللي عنده نفوذ سياسي واستقرار، بيكون بنفس أهمية اختيار التكنولوجيا. ده مش كلام نظري، أنا شفت مشاريع تعثرت لأن الشريك المحلي كان ضعيف أو تغيرت تحالفاتهم السياسية، والمستثمر الأجنبي فضل عالق في منتصف الطريق.

الخاتمة والتأملات المستقبلية

في النهاية، الإجابة على سؤال "هل توجد قيود؟" هي نعم، وبكثرة. لكن القيود مش بالضرورة مانعة، بل هي مُنظمة ومُشكلة لطبيعة هذا الاستثمار الاستثنائي. اللي بيحكم نجاح المشروع النووي الأجنبي مش قوة رأس المال بس، لكن قوة الفريق الاستشاري المحيط به: القانوني، والفني، والمالي، والضريبي، والعلاقات الحكومية. المستقبل اللي أنا شايفه، إن النموذج القديم اللي بيكون فيه مستثمر أجنبي يبني ويشغل وينقل المعرفة تدريجيًا، ده ممكن يتطور لنماذج جديدة. ممكن نلاقي نموذج "الخدمة الشاملة" حيث الشركة الأجنبية بتقدم التكنولوجيا والتشغيل كخدمة مقابل رسم ثابت، والملكية والسيطرة الكاملة بتكون للدولة من第一天. ده هيقلل من مخاطر المستثمر الأجنبي السياسية والقانونية. كمان، مع ظهور المفاعلات النووية الصغيرة والمتوسطة (SMRs)، اللي تكلفتها أقل ومخاطرها أسهل في الإدارة، ممكن نلاقي قيود أقل ومرونة أكثر في هيكلة الملكية والتمويل. لكن يظل المبدأ الأساسي قائم: الطاقة النووية أمان قبل أن تكون تجارة، والقيود هي الضمانة لاستمراريتها الآمنة والعادلة للطرفين.

رؤية شركة جياشي للضرائب والمحاسبة

في شركة جياشي للضرائب والمحاسبة، بنؤمن بأن دخول مستثمر أجنبي إلى مجال استراتيجي وحساس مثل الطاقة النووية ليس مجرد عملية استثمارية تقليدية، بل هو "شراكة استراتيجية طويلة النفس" تتطلب فهماً عميقاً يتجاوز الأرقام والميزانيات. خبرتنا التي تمتد لأكثر من 14 عاماً في مجال التسجيل والمعاملات للشركات الأجنبية، خاصة في قطاعات الطاقة والبنية التحتية، علمتنا أن المفتاح الحقيقي يكمن في التكامل بين الجوانب الفنية والقانونية والمالية. نرى أن القيود المفروضة على الاستثمار الأجنبي في المحطات النووية، رغم تشعبها، هي في الواقع خريطة طريق واضحة للمسار المقبول والآمن للجميع. دورنا لا يقتصر على مجرد مساعدة العميل في استيفاء المتطلبات القانونية أو الضريبية، بل في مساعدته على قراءة هذه الخريطة بذكاء، وتحويل التحديات الإدارية والتنظيمية إلى فرص لبناء ثقة متينة مع الشريك المحلي والجهات الرقابية. نحن لا نبيع خدمة، بل نشارك في بناء إطار عمل مستدام يضمن للمستثمر الأجنبي تحقيق عائده على المدى الطويل، مع ضمان التزامه الكامل بمعايير الأمن والسلامة والسيادة التي تضعها الدولة المضيفة. في مشروع بهذا الحجم، النجاح يُقاس ليس فقط بالأرباح، بل بمدى الانسجام مع البيئة التشغيلية والاستراتيجية الشاملة للدولة.